بوح الجدران
(By Mohamed Samir Nada (محمد سمير ندا)) Read EbookSize | 21 MB (21,080 KB) |
---|---|
Format | |
Downloaded | 584 times |
Last checked | 8 Hour ago! |
Author | Mohamed Samir Nada (محمد سمير ندا) |
غاب القمر واشتدّت الريح فبغت السماء وأرعدت. انفرد بي الصندوق المتداعي في خلوة العجوز غير السرّيّة، فراحت الأوراق تبوح بمكنونها، بدا الأمر مثيرًا للفضول، مغمّسًا بمتعة مجهولة، ربّما هي مزيج من لذّة الاستكشاف وشهوة التقصّي، والرغبة في تغيير خرائط العقل وطرد المؤرقات.
سار الأمر بنسق هادئ حتّى تسرّبتْ الأصوات المجهولة المصدر إلى الخطابات. بعد فتح أغلب الأظرف رحتُ أصغي في ما بين النوم واليقظة إلى مقاطع واعترافات تأتي بنبرات متباينة لأصوات لا محلّ لها في ذاكرتي. ظننتُ في بادئ الأمر أنّها استرجاع لما حوته الأوراق التي أواظب على فضّ سرّيّتها كلّ ليلة؛ حتّى أصْبحتُ ذات ضحى -وقد منحني الأرق عينين محتجزتين بين هالات سوداء- متيقّنًا أنّ الأصوات التي تقضّ مضجعي منذ ليالٍ لم تكن استرجاعًا لما باحت به الأوراق المنسيّة.
هرعتُ إلى الصندوق ورحتُ أفتّش الخطابات باحثًا عمّا يقتحم المسامع، فلم أجد لها أثرًا، تأكّدتُ حينئذ أنّني أتلقّى وحيًا لفظته السماء وعلق في طيّات الزمن.
كانت الجدران تبوح بما أنهكها كتمانه"
بالتزامن مع تفجر مظاهرات 2011 في القاهرة، يعود شاب مصري إلى القاهرة قادمًا من طرابلس، عاقدًا العزم على البدء في الإجراءات اللازمة لتغيير اسمه الذي وُلد به. يستأجر الشاب العائد شقة سكنتها من قبله أسرة مصرية انقطعت أخبارها في بغداد منذ ثلاثين سنة، وقد ذابت آثارها بين الخرائط وفوق عتبات المطارات. صاحب البيت، وهو عجوز غامض، يشترط على الشاب أن يبحث عن الأسرة الغائبة مقابل السكن في شقتهم التي لم يؤجرها منذ رحيلهم، دون دفع إيجار.
بمرور الصفحات تتداخل الأصوات ما بين الحقيقي والمتصور، ينخرط الشاب في قراءة صندوق خطابات يلخص الكثير من حكاية هذه الأسرة، تناديه أصداء الخطابات التي ضلت مقصودها، والخطابات التي لم تكتب، تتداخل التواريخ والسير والمصائر، تتقاطع المسارات بين الشاب الهارب من ماض محبط، مع حكايات الأسرة الغائبة، وجارة خمسينية ودود، والعجوز صاحب الدار، الذي يراقب ما يجري عن كثب.
تطرح الفصول المتعاقبة سؤالًا مفصليًا: هل ثمة علاقة تجمع بين الشاب والأسرة الغائبة، وصاحب الدار؟ هل كان توجه الشاب لاستئجار هذه الشقة بالذات محض مصادفة، أم أنه قصدها عمدًا مدفوعًا بسرٍ يخفيه؟
تتشابك الاكتشافات التي يلملمها الشاب من الأظرف والرسائل والمقتنيات مع اندلاع المظاهرات، فيبحر فوق الأسطر بين القاهرة وبغداد وطرابلس، وتتشابه ملامح الغائبين عن الجدران مع المقيم بينها، ليقف الشاب في نهاية الأحداث أمام مفترق طرق، بين قرارين، وهويتين، وحياتين مختلفتين في انتظار قراره الأخير.
تناقش الرواية تأثر الهوية المصرية بمواسم الهجرة الجماعية في سبعينيات القرن الماضي، وتشتت المثقفين ومطاردتهم، في إطار حكي يتسع حتى يشمل حكايات القهر في شتى أوطان العرب.”