سليل الغيمة
(By علي محمود خضير) Read EbookSize | 20 MB (20,079 KB) |
---|---|
Format | |
Downloaded | 570 times |
Last checked | 7 Hour ago! |
Author | علي محمود خضير |
http://bit.ly/2iDKr2F
يواصل الشاعر في هذا الكتاب رحلة اختبار امكانات الشّعر بوصفه خلاصاً شخصيّاً في مقاربة الحياة والسباحة بمجرات الموضوعة الانسانية بقصيدة قصيرة مقتضبة هذه المرّة، متخففة متخلية من بيان اللغة "الاستعراضي". يعرف الشاعر ما يريد فيضع كل كلمة قرب اختها بأناة وانضباط، وهو ما عُرف عنه في كتابيه السابقين من مسؤولية في انتخاب قصائده وتصفيتها من الترهل والاسهاب "أنا سجين الصحراء وحرُّ الغرفة الموصدة" (نص: عن السفينة التي تريد أن تغرق).
القصيدة في "سليل الغيمة" تحاول القول بأقل ما يُمكن من الكلام، تلتقط الحدث العابر أو تمسّه مساً وتذهب مذهباً في مزج الحكاية الشخصيّة بالحدث العام في تداخل لا شعوري يجمع وصف المشهد وتأمله ومحاورته ثم تركه مفتوحاً كما بدأ. لا تقترح أغلب القصائد "نهايات" للأحداث كما لا تحدد بدايات واضحة لها "وحيداً أعرض الماضي/ بسوق لا يمرُّ به أحد" (نص: كآبة الثالثة).
يؤكد الشاعر في الكتاب الجديد على قيمة الكلمة في العالم، يعيد الاعتبار لها ويُذّكر بسطوتها، يتأمل تلاوينها كما يتأمل شجرة بريّة على رابية، الكلمة هنا كائنٌ يتنفس ويتفاعل، يؤثر ويغير "لكني سقطت/ بكلمة واحدة سقطت/ كأني حائط من زجاج" (نص: كلمة واحدة تكفي)، "أولاءُ أهلي من تشفيهم كلمات وتسقمهم أخرى" (نص: تسجيل خروج). الكلمة تشفي وتسقم، تشعل حروب وتصنع طمأنينة، وهي، بهذا المعنى قيمة تعادل وتوازي وجود الإنسان وتضاهيه.
الموت الفجائعي والمجاني الذي يعصف بأرجاء المنطقة كلها يحضر في الكتاب بشخص السؤال الوجودي المر والتأريخي؛ من يقتلنا؟ ولماذا؟ وفي سبيل أي شيء؟ هل لا يزال ممكناً للشعر ملاحقة قطار الموت السريع الذي يخطف كل لحظة زهرة حياة أحدهم زارعاً الف سؤال وسؤال "السيارة المجهولة تدخل شارعاً لا أسم له/ يترجل مجهولون/ بايديهم الآت مبهمة/صليل سريع (...) يسقط رجل مجهول/سريعاً الى الأرض/ الأرض التي نجهل أسمها الى الآن".
يتحرر الشاعر بموضوعاته ولغته، كأنه في سباق مع ذاته قبل كل شيء من أجل تدوين اللحظة الهاربة، ممارساً اقتراحه الخاص بلا ادعاءات، القصيدة هادئة لا سلطات فيه أو خطابات مترفعة أو أنا "بطولية" ترى العالم طفلاً تقوده من يده. نصوص أبطالها دراجة هوائية، بلابل وكلاب، حوض أسماك وعربات قطار وملاعق مطبخ وسابلة؛ كأن الشاعر يقول: لا تكتمل حياة الانسان من دون الأخر نباتاً/ حيواناً كان أم جماداً.
هناك دأب واضح ل"شعرنة" كل ما يمكن وبث أنين مكتوم وشكاية لا مرئية من زوال العالم الى خراب في البشر والحجر "كن غير موجود/لتنجو"، "لم أعرف/أننا على الحافة من كل شيء/ وأن كلمة تكفي لتيبس الشجرة".
يفتح الكتاب الباب على أسئلة وموضوعات عديدة تظل محاولة الاحاطة بها هنا محدودة وقاصرة، لا سبيل للقارئ وقتها إلا بملاحقة اللحظة/ الغيمة ومحاولة الامساك بها وهي مُوشكة على الزوال. وهل يُمكن امساك غيمة؟ "وقلت يا غيوم خذيني/ لأكن هباءً في هبوبك" (نص: وقلت خذيني.”