“Book Descriptions: كان منظر الغروب سخياً بألوانه الشفافة، برتقالي ذهبي، وأحمر متوقد كموقد شتائي يزخر بالجمر ... والمشهد السماوي يبدو ساكنا غير أن السحب المتناثرة في سماء زرقاء كانت تتحرك على هون كزوارق غافية في بحيرة هادئة ... الرياح الخريفية تجوس خلال البيوت وتبشر بشتاء قارس طويل .. كانت فاطمة تتأمل وجه شقيقها، انها لم تره مهموما كهذا المساء، لكأنه ينوء بجبال من الحزن، لا تدري لماذا توهجت مشاهد قديمة .. قديمة جداً، يوم أخذوا أباها، وأدركت حينها انها لن تراه بعد اليوم ... ربما عرفت ذلك في وجه شقيقها الذي بدا في تلك اللحظات سماء مثقلة بمطر حزين .. كانت الرسالة التي استلمها الامام اشبه شيئا بعسل مداف بسم، ملساء كأفعى مترعة بسموم قاتلة.. الفضل بن سهل يعرف كيف يروغ بين السطور ورسالة محيرة من أكبر مسؤول في الدولة تطلب منه مغادرة يثرب على وجه السرعة لتسلم مسؤوليته في الخلافة!
وتساءلت فاطمة عن سر هذا الحزن؟ كانت تعي لواعج الانسان الذي يفكر في المديات البعيدة حيث تتجسد كل الام الانبياء وأحلامهم. ان المأمون ولا شك قد عرف مصدر التحدي الحقيقي، فوجد في شخصية مثل الامام سوف تكشف للرأي العام مدى الانحطاط الاخلاقي للحاكمين، كما ان بعد المدينة المنورة عن ((مرو)) سيوفر للامام قدرا من الحرية، وفي هذا خطر على مؤسسات الحكم القلقة التي ما تزال تهتز تحت وقع الاضطرابات والثورات .. فاستدعاء الامام الى مرو يعني ان المأمون يضرب عشرات العصافير بحجر واحد.” DRIVE